كثيراُ ما يقرن العلماء والموجهون وغيرهم بين إمتحان الدنيا والآخرة، وهذه بلا شك مقارنة وربط صحيح، خاصةً عند المؤمن الموقن بالحياة بعد الموت، وبالحساب والجزاء، كما وصف الله في كتابه، ووصف رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا شك أنَّ بين الامتحانين بوناً شاسعاً بل لا مقارنة.
والدعاة والمربون حينما يُركزون على هذه المقارنة، فواضحٌ أنَّ هذا ليس من باب التهوين من شأنِ هذه الإمتحانات المدرسية، وطلب عدم الإستعداد لها، لأنَّهم مثل غيرهم يهتمون بها، وخاصة بالنسبة لأولادهم وأقاربهم، وإنَّما جاءت المقارنة لأمور:
ـ الإهتمام الذي لا حدَّ له في الامتحانات الدنيوية، يقابلهُ عند البعض إهمال لا حدَّ له، فيما يتعلق بالإستعداد لإمتحان الآخرة.
ـ أن من مظاهر الإهتمام في الامتحانات الدنيوية: حبس الأولاد عن التمتع باللهو واللعب، ومتابعة ما يهوونهُ من الكرة والمسلسلات، وبالمقابل قصرهم على ما يكرهون، وهي المذاكرة وكفى بها مشفقة.
ـ وفي مقابل هذا فيما يتعلق في إمتحان الآخرة نجد العكس تماماً، تركهم يلهُون ويعبثون حتى ولو أدَّى ذلك إلى ضياع دينهم وأخلاقهم.
وإذا جاءت المشقة للعبادة من صلاة ونحوها، رحمناهم بسبب البرد، رحمناهم لأنَّهم ناموا متأخرين، وهذه مفارقات عجيبة.
بل أننا نمارس هذا طوال العام الدارسي: ففي صلاة الفجر لا نوقظهم لكونهم ناموا متأخرين، أو من أجل البرد، ولكن بعد ذلك بنصف ساعة أو تزيد قليلاً نوقظهم للمدارس ولو كان برداً شديداً.
ـ وفي الإمتحان نفسه يمارس المربون ما هو واجبٌ عليهم من نظام الإمتحانات، ألا وهو مسؤولية كل طالب على نفسه، فالغش ممنوع، ولا أحد يعين، وبالمقابل في الإستعداد لإمتحان الآخرة، نترك أولادنا ولا نراقبُ أحوالهم مهما خالفوا الأوامر أو وقعوا في المحرمات.
وبسبب هذا التناقض العجيب، كم من شابٍ تحول إلى تارك صلاة، زنديق لا يؤمن بيوم الحساب، مستهزئ بدين الله تعالى وشريعته، وهو من أسرة فاضلة، معروفة بالصلاح والإستقامة.
ـ وفي النتائج نفرحُ بنجاح أولادنا، ذكوراً وأناثاً، وحق لنا أن فرح ونكافئهم بالجوائز الثمينة، وبالمقابل لا تجد الفرح ذاته إذا إستقاموا وصاروا من رواد المساجد، أو المقبلين على حفظ كتاب الله، أو طلب العلم الشرعي.
*الخلاصة: أننا صرنا فيما يتعلق بهذين الإمتحانين: إمتحان الدنيا وإمتحان الآخرة نكيل بمكيالين: أي أنَّ عندنا إزدواجية في المعايير كما يقولون: ففي إمتحان الدنيا أو الدنيوي نصدر القرارات وننفذها، ونتابع تنفيذها، بل ونعاقبُ كلُّ من يتعرضُ أو يتساهل في تنفيذها، وفي سبيلِ ذلك نحشدُ كافة القوى الممكنة.
أما في الإستعداد لإمتحان الآخرة -على خطره وأهميته، فأحياناً لا نصدر القرارات، وإذا أصدرناها لا ننفذها، وإذا تابع بعضنا تنفيذها، فكلُّ من يعرقل ذلك يلقى منا صمتاً مطبقاً، أو عتاباً كلامياً لا يقدمُ ولا يؤخر.
إننا بهذه الطريقة نغرسُ في نفوس أولادنا، أنَّ الدنيا هي الحياة، وأنَّ الآخرة لا قيمة لها، فكأننا نربي فيهم نوعاً من العلمنة، ونحن لا نشعر.
[] وصايا سريعة لأبنائنا وبناتنا ولأولياء أمورهم فيما يتعلق بالامتحانات:
= إجعل نصب عينيك قوله تعالى: {واتقوا الله ويعلمكم الله} [البقرة:282].
وإعلم أنَّ أهم ما في هذا أن يتحول علمك سواء كان علماً شرعياً أو معيناً على ذلك ممَّا يسمى بالعلوم المادية، حيث لا إنفصال بينهما في منهج الإسلام المتكامل إلى علمٍ نافع لك ولأمتك.
والخوف هنا حاصل: فكم من علمٍ شرعي تعلمهُ صاحبه فصار حجةً عليه، ولم يعمل به فصار وبالاً عليه، قال الله تعالى: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين*ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القول الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون*ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون) [الأعراف:175-177].
وسواءً نزلت هذه الآيات في أحد علماءِ بني إسرائيل كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما من طرق، أو في أمية بن أبي الصلت الذي يُقال: إنه قد وصل إليه علم كثيرٍ من علم الشرائع المتقدمة، ولكنهُ لم ينتفع بعلمه كما ورد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
فالآيات فيها التحذير الشديد من هذا النموذج الذي تحدثت عنه.
فهذا إنسان يؤتيهِ الله آياته، ويخلع عليه من فضله، ويكسوهُ من علمه، هو ينسلخ من آيات الله، ويتجردُ من الغطاء الواقي، والدرع الحامي، وينحرف عن الهدى ليتبع الهوى، فيصبح غرضاً للشيطان، فيتبعه ويلزمه ويستحوذ عليه، فإذا بهذا المخلوق قد تحول لاصقاً بالأرض ملوثاً بالطين، ثم إذا هو مُسخَ في هيئة كلب، يلهثُ إن طُورد، ويلهث إن لم يطارد، {ذلك مثل القول الذين كذبوا بآياتنا} [الأعراف:176].
وكم من علم دنيوي تحول إلى وبالٍ على أصحابه، وها هي حضارة الكفر في غربها وشرقها أصابها الغرور فألحدت وأفسدت، وحاربت دين الله الإسلام.
= لابد عند المذاكرة من تفريغِ النفس وإبعاد ما يهمها عنها، وهذا ما يُسمى بالتهيئة النفسية للمذاكرة، فالطالب الذي يعايشُ مشكلاتٍ معينة، أو يقع تحت إرهاب أبويٍّ يستخدم معه العصا لأجل المذاكرة، لا يكون مهيئاً ذهنياً لتقبل المعلومات، ولا مانع من التأديب، لكن بشرط أن لا يتحول إلى تأديب مستمر.
= الإعتماد على الفهم فيما سبيله الفهم، والحفظ فيما سبيله الحفظ، والحذر من تلك النظرية التي تقول الفهم الفهم، وتلغي الحفظ من مناهج التربية ووسائلها.
= إستخدم في المذاكرة كل ما يعينك عليها سواءً كان من حركة الجسم ورفع الصوت مثلاً، لأنَّ المهم أن تكون بكليتك متجهاً إلى ما تذاكره حتى تهضمه أولاً، وحتى تستفيد من وقتك الثمين ثانياً.
= ما الحل إذا ضاق الوقت وبقي في المنهج بقية: الأولى أن تستكمل فقرات المنهج الأساسية وتكمله، بدل أن تسير ببطء وأنت تتابع جزئياته.
وهذه المسألة مهمة في المذاكرة، فمن الأولى: تصور أصول المنهج وقضاياه الكبار أولاً، ثم يأخذ الطالب بالتفاصيل.
= إستخدام الملخصات المساعدة سواءً كتبتها في ورقةٍ مستقلة أو على حواشي الكتاب أو إستعمل الخطوط حول أبرز القضايا، فإنَّ هذه تجمع في ذهنك أبرز القضايا المهمّة، والتي يبنى عليها غيرها.
= يجبُ أن يكون مكان المذاكرة هادئاً، بعيداً عن الصخب أو حتى الحديث العادي، واحذر كل الحذر أن تصدق من يقول إنَّ المذاكرة أمام التلفاز غير الناطق، والموسيقى الهادئة من المسجل أو غيره مفيدة.
[] وهذه وصايا أخيرة أثناء الامتحان:
1= لا تتأخر في الوصول إلى قاعة الإمتحان، بل ائت إليها قبل الامتحان بوقتٍ كافٍ حتى تستريح أعصابك، والمذاكرة السريعة المشوشة في الدقائق الأخيرة قد يكون ضررها أكثر من نفعها.
2= إبتدئ خروجك من البيت، ودخولك القاعة بالأوراد والأذكار الواردة، فهي خير معين لك إن شاء الله تعالى.
3= اقرأ الأسئلة جيداً، فمعرفة السؤال طريق إلى معرفة نصف الجواب.
4= لا يكن همّك الخروج من قاعة الإمتحان، ولا تستحي من الأساتذة المراقبين وهم ينتظرون الباقين، فما دُمتَ في الوقت المخصص للإمتحان، فهو حق لك، ويجب أن تستفيد منه في سبيل ضبط ومراجعة إجاباتك.
5= إن لم تستحضر الجواب عن سؤال، فإنتقل منه إلى غيره، فإنك ستجد الجواب إذا هدأت أعصابك، وقطعت شوطاً في الإجابة، على أن لا تنسى السؤال الذي أخرّته.
6= إستخدام المسودة في آخر ورقة الإجابة، فهي تعينك على إستكمال فقرات الإجابة وترتيبها.
7= إستوضح من المراقب عن السؤال الذي لم تفهمه.
8= إحذر كل الحذر أن تدخل صالة الإمتحان وفي نفسك أن ستستفيد من غيرك، بل توكّل على الله وحده، وإعتمد على نفسك.
9- إذا إستعصى عليك سؤالٌ فاسأل الله أن يفتح على قلبك وقل: اللهمَّ يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني.
10= إحذر السهر خاصة ليالي الامتحان، فإنَّهُ العدو اللدود للامتحان.
وينبغي أن تعلم أن مجيئكَ إلى الإمتحان بجسمٍ وعقلٍ مرتاح، بعد أخذ القسط الكافي من النوم، ضروري جداً.
وكم من طالبٍ جيد ملم بالمادة حوّل السهر إجابته إن إستطاع أن يجيب، إلى أنواعٍ من الخلط والأخطاء الفادحة.
11= إحذر في المذاكرة التجمعات التي تجمع الطلاب وهو يذاكرون، إذا كان فيهم العابث المستهتر، أو لم يكن هُناك من يضبط الأمور ويمنع العبث.
ثم هل تكون في المذاكرة لوحدك أو مع غيرك؟!! هذه مسألة ترجع إلى طبيعتك وإرتياحك، والطلاب يتفاوتون في هذا.
الكاتب: عبد الرحمن بن صالح المحمود.
المصدر: موقع المختار الإسلامي.